القائمة الرئيسية

الصفحات

رسالة إلى «الفاروق» 2



كتب: المستشار عبدالكريم مقلد

من مسلم من الرعية إلى الفاروق عمر بن الخطاب أمير المؤمنين

أما بعد: أيا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد أضحى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غريب ، بعد ما كان أضحى من قريب فصار النهي عن المعروف معروف والأمر بالمنكر معروف ، حتى تحلل الحرام وصار مألوف، وأقاموا مصانع للترفيه ، وحقروا أنفسهم بالتسفيه.

وصار المال و النفاق والرياء لقضاء الحوائج بغير حق مهرا ، وازداد مقام الجاهل والصعلوق فيهم قدرا 

وصار الخمر والمسكر مجرب ، وصار يدفع عن النبيذ في بيت المال ما يسمى ضريبة ، والتهرب من أدائها جريمة ، وسموا للمسكرات مسميات فمنه الدخان ، ومنه كالتراب الأبيض ، ومنه كحب الدواء ، ومنه النبيذ ألوان.

وصار التعري والتسافد مدرب ، وصنعوا لها كأسواق عكاظ ، وولاها متفيقهون في تجميل الباطل أفذاذ ، يقولون في الدين بالعقل وقد كفروا بالنقل ، علامتهم أنهم يقولون في الانبياء والمرسلين والصالحين كقولهم في أحدهم ، مثلهم دون الحمار الذي يحمل اسفارا ، أحزاب هم عاد وثمود وقوم لوط وما بخلوا أو تخلفوا عنهم في رذيلة.

وصار اعوجاج اللسان معرب ، وخلطوا به كلام العجم والروم ، ولا يقبل منهم إلا بها ، ولم يبقى من فتنتها إلا أن نصلى وندعو بها العزيز الغفار ، ولا خير فيها إلا في مأمن الشر من عدو ، أو طلب العلم ولو في الصين بما ينفع المسلمين.

وصار الديوث هو الخلوق المؤدب ، يسمونها الحرية والتقدم والحضارة ، وعلامة على الرقي والعلم أمارة ، وما زادتهم في الأخلاق إلا حقارة ، وصاروا يغيروا صنع الله ، وصار صنع الابدان والوجوه عمارة ، يقوم عليها الطبيب و العالم المجرب ، يقولون فيه تجميل وتقويم ، وأرادوا في خلقة الله التقسيم

وخفت المساجد وثقلت الطرقات بدور كدار الندوة تسمى المقاهي فيها يتسامرون ويتغافلون ، تتجافى جنوبهم عن المضاجع وقد خرقوا جوف الليل لا عن ذكر وعبادة ، ولكن عن لهو وسهو وغمرة وندامة ، إلا ما رحم ربي.

وصاروا يركبون البحر في زمن الصيف ، ويعدوا له العدة كما يعد أحدكم عدته في سبيل الله ، أو يعد عدة الحج ، وتراهم حفاة عراة في ضحضاح من موج البحر يغتسلون في خلطة كايوم الحشر.

 وصنعوا أعور ككف اليد ، مصنوع من زجاج قوارير ، فيه صور وأحداث عن الغيب الواقع ، تطالعها من مكانك تحسبه كاللوح المحفوظ ، فيه من خبر الاولين والاخرين والمشرق والمغرب والعرب والعجم واليابس والرطب ومن مخلوقات الله ما علمت منها وما لم تعلم ، وفيه أوعيه للعلم والدين ، ولم تخلو أوعيته من ألهمها فجورها وتقواها ، وتعمل بنور وشعاع كالبرق الضعيف يسمونها كهرباء ، تضاهي طرفه صاحب سليمان في الإتيان بالعرش ، فتهاتف به البعيد والقريب من وراء حجاب ، وتدخل البيوت دون أن تطرق له باب ، وقد اختلط فيه الخير والشر فتنة إلا من أخذه بحقه وحق دينه وأهله ... هذا والسلام وللحديث بقية بلا ختام

تعليقات