بقلم: المستشار عبدالكريم مقلد
إذا أمعنّا النظر في أصل أي شجرة، لوجدنا أن أصلها بذرةً؛ وهذه البذرة تحمل في جنباتها عناصر التكوين الوراثي المُشكِّل لكل مفردات الحياة وتفاصيلها. وهذا الأمر ينسحب، بوجهٍ عام، على جميع عناصر الموجودات.
وإذا تدبّرنا القرآن الكريم، وجدنا العجب المعجز؛ فأول الكتاب فاتحة الكتاب، وهي مكوّنة من سبع آيات متصلة، تبدأ بالبسملة، ومعها ست آيات، ثم تتوالى بعد ذلك مع باقي سور القرآن الكريم، البالغ عددها 114 سورة.
والعجيب في هندسة هذا التكوين أن أول آية، وهي البسملة، مكوّنة في الرسم القرآني من تسعة عشر حرفًا، ويتبعها ست آيات، فإذا نظرنا إلى حاصل ضرب هذا المكوّن:6 × 19 = 114
وهو عدد يوافق عدد سور القرآن الكريم.
فكأن القرآن الكريم، بسوره، شجرةٌ أصلها البسملة، وساقها آيات الفاتحة، وفروعها سور القرآن الكريم.
ومن العجائب أيضًا ترادُف عدد حروف البسملة مع عدد حروف الآية الخامسة من الفاتحة، والتي تُعد منهج الحياة، وأمانة أدائها، في قوله تعالى:
﴿إيّاك نعبد وإيّاك نستعين﴾
فالبسملة واصلةٌ وموصولة؛ فهي باب العبادة، وباب الاستعانة.
ويحمل القرآن الكريم في هذا الباب، وغيره، من مكنون الأسرار، ومداد المعاني التي لا تنفد، ولا سيما في هذا الرقم العجيب المبارك.
والغاية مما سبق هي الوقوف والتدبر في عظيم فضل البسملة وفاتحة الكتاب، اللتين اشتملتا على مجموع علوم القرآن، كما تشتمل البذرة على جذور الشجرة وفروعها.
ولذلك كانت فاتحة الكتاب فريضةً على كل مسلم، وركنًا ركينًا في الصلاة؛ فهي تُجبر بذاتها، ولا يُجبر تركها بغيرها في ركن فرضها. وكأن القرآن الكريم مُجملٌ في الفاتحة، ومجموع الفاتحة في البسملة.
وكأن كل آية – غير البسملة – نائبةٌ عن جزءٍ مقسوم من سور القرآن الكريم؛ فهي عنوانٌ وفهرس، على سبيل التفضيل دون التفصيل، لعموم سور القرآن الكريم.
والله أعلى وأعلم.
تعليقات
إرسال تعليق