بقلم : المستشار عبدالكريم مقلد
أسباب المشكلة الأساسية:
لم تصبح المشكلة مجرد تكهنات أو نظريات افتراضية بل أصبحت المشكلة واقع نعيشه أكدته الأبحاث والحقائق العلمية والمصادر الحكومية ، والمتوجه بما تم الإعلان عنه بمؤتمر المناخ الدولي بمصر بشرم الشيخ عام ٢٠٢٢ ، وما أقره واقع أحداث التطرف المناخي الذي تعرضت له مدينة الإسكندرية في عدة مواسم متتالية ومناخ الشمال الافريقي والبحر المتوسط بشكل عام .
تتمثل المشكلة في الدول الصناعية الكبرى وبالأخص الولايات المتحدة والصين ، واللذان يشكل نشاطهما الصناعي ما يقارب من حوالي ٦٠ ٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم ، خاصة مع عدم رغبتهم الحقيقية في الانضمام لاتفاقيات التغير المناخي وتقليل الانبعاثات في ظل الحرب الباردة بينهما على سيادة العالم الصناعية و الاقتصادية والعسكرية.
تقدير الانبعاثات الكربونية سنويا في العالم:
تقدر بحوالي ٣٦ مليار طن متري من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مسببه للاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض .
تقدير تأثيرها على درجة حرارة الأرض:
زادت درجة حرارة الأرض منذ الثورة الصناعية في عام ١٨٥٠ ميلاديا بمقدار ١.٢ درجة مئوية ، ومتوقع زيادتها بمقدار ١.٥ درجة مئوية خلال خمسة سنوات ، أي أن الزيادة التي حدث في أكثر من قرن قد تتحقق بتسارع أكبر خلال عقد من الزمان ، وهذه أرقام قد تبدو صغيرة ولكنها لها نتائج مرعبة في التأثير .
تقدير الكميات المذابة حاليا سنويا من القطب الشمالي في ظل زيادة درجة ١.٢ مئوية:
تقارب من ٨٠ مليار متر مكعب من ذوبان المياه الصافي من الجليد الصيفي ، هذا خلاف الذوبان السطحي في يابس القطب الشمالي بكميات أضعاف هذا الرقم ، وستزيد الكميات مع تجاوز زيادة درجة الحرارة ١.٥ درجة مئوية .
تأثير المشكلة على الاسكندرية في الوقت الحالي:
أولا : تمثل في إرتفاع منسوب البحر حيث بلغ نسبة ارتفاع البحر خلال ٢٠ عاما حوالي ٩ سم وسيزيد في متوالية أقل تقدير فيها ٥٠ سم بحلول عام ٢٠٥٠.
ثانيا: تآكل الشواطئ الرملية والتي كانت تمثل حماية طبيعية من المد البحري ، وقد بلغ حجم التآكل في القطاعات الشاطئية على مدار أقل من ١٠٠سنة حيث تراوح التجريف النحرى ما بين ٣٠ إلى ٥٠ متر من المساحات الرملية بالشواطئ ، وحدث تزايد خلال عقدين تراوح ما بين ١.٥ متر إلى ١٠ متر سنويا في المناطق الحرجة .
ثالثا: تغول التسريب البحري الجوفي وزيادة نسبة ملوحة التربة وتأثيرها على الاساسات العقارية ، وسبب التسريب هو عوامل النحر وتآكل طبقات الحماية الرملية الشاطئية، وقد تبلغ تقديرات هذا التسرب ما بين ٤٠٠ إلى ٨٠٠ مليون متر مكعب سنويا ، ما يعني تقريبا من ٨ إلى ١٦ مليار متر مكعب على مدار ٢٠ عاما تسربت للمخزون الجوفي للإسكندرية والدلتا ، وقد ارتفعت معدلات انهيارات المباني في الإسكندرية في متوالية متزايدة من حالة واحدة سنويا في التسعينات إلى قرابة ٤٠ حالة عقار سنويا في الزمن الحالي ، وبلغت بهذه المتوالية ٢٨٠ عقار خلال ٢٠ سنة الماضية .
رابعا: حجم المياه والأمطار الذي تتعرض له المدينة دفعة واحدة نتيجة التطرف المناخي أكبر من استيعاب قدرات شبكات الصرف بها.
خامسا: بجانب وجود عدد كبير من العقارات المهددة نتيجة قدم البنية التحتية وتهالكها أو وجود مخالفات في السلامة الإنشائية ، وتقدر بحوالي ٧٠٠٠ عقار في مختلف مناطق وقطاعات المدينة ، وهي عرضه أكثر من غيرها خاصة مع تطرف النشاط المناخي والنشاط الزلزالي المتكرر .
السيناريوهات المتوقعة في الإسكندرية والدلتا بمصر بشكل خاص خلال عقود هذا القرن.
الأول متشائم :.
غرق كامل مدينة الإسكندرية والدلتا وهما من أكثر المناطق الرخوة والمنخفضة في مصب البحر المتوسط ، ويبلغ عدد السكان بهم قرابة ٤٠ مليون نسمة .
وأعتقد أن هذا السيناريو وأبعاده الزمنية والكمية مستبعد لأن مصر أكرم على الله من أن يخسف بأراضي قرابة نصف سكانها .
الثاني المتفائل:.
غرق ما يقارب من ثلث إلى نصف مدينة الإسكندرية علما بأن مجموع عدد عقارات الإسكندرية قد تبلغ قرابة ما بين ٣٠٠ إلى ٤٠٠ ألف عقار تقريبا ويبلغ عدد سكان مدينة الإسكندرية قرابة ٦ مليون نسمة .
ومقصود " الغرق " ويشمل المفهوم الغرق العلوي بسبب إرتفاع منسوب البحر ، ويشمل أيضا الغرق الجوفي بسبب إرتفاع منسوب المياه الجوفية بسبب التسرب الجوفي .
الثالث في أحسن التوقعات:
تعرض مدينة الإسكندرية لموجات تسونامي قد تصل فيها ارتفاع المياه على اليابسة في الاماكن المسطحة إلى واحد متر بجانب التطرف المناخي المفاجئ المتكرر من عواصف ورياح .
التقدير الزمني:
التقدير الاول حتى عام ٢٠٥٠ .
التقدير الثاني حتى عام ٢١٠٠ .
وفي كل الاحوال سيحدث بشكل متدرج تصاعدي في حالة سيناريو الغرق الاول أو الثاني وفقا للتقدير الزمني الأول أو الثاني ، أما السيناريو الثالث فمتوقع حدوثه بشكل مفاجئ ومتكرر خلال سنين العقدين القادمين .
تقديرات إرتفاع سطح البحر ،،،،،
التقدير الاول نصف متر .
التقدير الثاني واحد متر .
التقدير الثالث قد تصل إلى ٢,٥ متر .
تقديرات تآكل الشواطئ ،،،،
إجمالي التراجع المتوقع بحلول نهاية القرن وفقا لمعدلات النحر فمن المتوقع أن يتراوح بين 40 و50 متر بحلول عام 2100 تحت السيناريوهات المناخية الأعلى حال اقتصار الضرر على النحر دون الغمر .
ملاحظة هامة ،،،،
وفي كل الاحوال يتوقف المداد الزمني والكمي على حجم الجهود في مجابهة تلك المتغيرات وتقليل الانبعاثات قدر الإمكان ، وتزيد وتقل المخاطر بشكل عام وتتسارع المعدلات الزمنية حسب معدلات ومستويات زيادة منسوب البحر والتسرب الجوفي ووفقا لزيادة أو قلة الأعمال الوقائية و الاحترازية .
الجهود الوطنية ،،،،،
حتى نعرف حجم المشكلة لابد أن نتطلع على حجم الجهود الجدية الضخمة المبذولة من الدولة .
أولا ،،،
تطوير المناطق الشاطئية ، وعمل مصدات أمواج ، وزراعة رمال شاطئية على غرار ما هو قائم من أعمال تطوير لميناء ومنطقة أبوقير وما تم من أعمال في منطقة القلعة ، وما هو قائم بالفعل من اعمال بامتداد الشريط الشاطئي ، بجانب تطوير ورفع كفاءة الكورنيش ، ورفع كفاءة شبكات الصرف ....وغيرها من الاعمال .
ثانيا ،،،
تعزيز الامتداد العمراني لظهير مدينة الإسكندرية القبلي و الجنوبي بطول امتدادها الساحلي .
ثالثا ،،،
العمل على إنشاء وتطوير منظومة للكشف والرصد والإخطار المبكر عن المتغيرات المناخية .
رابعا ،،،،
بناء مدن ساحلية جديدة كالعلمين والمنصورة الجديدة تتناسب مواقعها وبنيتها التحتية والسلامة الإنشائية والبحرية وتوفر كافة سبل التكيف والتعامل مع التغيرات المناخية .
خامسا ،،،،
بناء ستة عشر مدينة جديدة متفرقة وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة ..... في صحاري الامتداد العمراني على مستوى الجمهورية لاستيعاب أي نزوح أو تمدد سكاني لمواجهة أسوء الظروف والاحتمالات .
سادسا ،،،،
وجود مشاريع توسعية جديدة ومنها مدينة جريان والتي تهدف لخلق بيئة زراعية ووادي جديد بظهير الطريق الصحراوي مرورا بمدن ٦ أكتوبر والشيخ زايد وذلك عن طريق مد فرع للنيل جديد من خلال فرع رشيد وسينتهى العمل منها خلال خمس سنوات من الآن .
سابعا: وجود دراسات جادة بشأن مشروع منخفض القطارة ولازال مطروح بقوة ، ويهدف المقترح لربط البحر المتوسط بمنخفض القطارة لتخفيف أعباء ارتفاع المنسوب حيث يبلغ عمقه قرابة ١٣٣ متر تحت سطح البحر وتبلغ مساحته حوالي ٢٠ كيلو متر مربع حيث يستوعب قرابة ما بين ٢٠٠ إلى ٣٠٠ مليار متر مكعب من المياه ، بجانب إنشاء محطات توليد كهرباء ، ولكن لازالت الدراسات قائمة لبحث الجدوى و مدى تأثير ذلك على المياه الجوفية وحركة القشرة الأرضية .
ملاحظة «هامة»
كل ما يتم من جهود ما هي إلا محاولات تكيف مع واقع الأمر وليس منع حدوثه ، ونسأل الله العافية .
«التوصيات»
أولا: العمل على دعم جهود الدولة المحلية والدولية والضغط على الدول الكبرى المتسببة في تحمل التكلفة ، فنحن نتحدث عن فاتورة وضريبة ضخمة بالمليارات تتحملها الدول المتضررة ومن بينها مصر نتيجة تلك التغيرات المناخية ، والتي قد تغير شكل الخريطة الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية للبلاد .
ثانيا: بجانب الجدية التوعوية ، فلابد من تنظيم وتخطيط اجتماعي واقتصادي مستقبلي للتعامل مع كل التوقعات وحجم المسئولية ، والتعامل مع الكلفة في البعد الاقتصادي وقدرة المواطن في مثل هذه الظروف ، وهو ما يمثل أيضا أعباء مالية تتحملها الدولة .
ثالثا: التعامل بواقعية ، فتجاوز الازمات لن يكون إلا على حسب الوعي والقناعة و القدرة على التكيف في الحاضر و في المستقبل القريب والمتوسط والبعيد ، وبما قد تفرضه الظروف ، وبما يلائم كل على حدى ومستقبل الأجيال القادمة.
رابعا: وقبل كل شئ فهذ الأمر ليس قضاء إلهي ولكنه قرار إنساني تسبب بفساده في البر والبحر إلى هذا المستوى من النتائج ، قال تعالى [ ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ (41) ] ، وقد أرشدنا الحق سبحانه إلى العلاج في قوله " لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ " فاللهم ردنا إليك ردا جميلا ، حفظ الله الجميع وحفظ مصر وشعبها من كل سوء .
والله الموفق والمستعان
تعليقات
إرسال تعليق