القائمة الرئيسية

الصفحات

معاوية.. والفتنة الكبرى


بقلم : عبدالكريم مقلد

ونعرض رؤية قد تتفق أو تختلف مع الكثير من الروايات أو التحليل النقدي لأحداث ملاحمها لاسيما مع تجسيد أحداث الشخصية .

ولاشك ان شخصية الصحابي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من أكثر الشخصيات الجدلية في التاريخ الإسلامي ، وتمثل الشخصية خطوط عريضة للصراعات في القرن الأول الهجري .

ويمثل الخط الأول إمتداد الصراع الذي تسلط بين أبناء العمومة من بني أمية على بني هاشم في مكة وسباق التنافس على شرف القيادة والإمارة ، وقد كان أبي سفيان الأموي قبل إسلامه من أشد الناس حربا على النبي الهاشمي صلى الله عليه وسلم ، ثم يمثل إمتداد الصراع بعد ذلك من ابنه معاوية وبين سيدنا علي الهاشمي رضي الله عنه بما يمثل صورة من صور المنازعة القديمة الدفينة على رئاسة القوم والممثلة في الخلافة ، والتي امتدت روافدها إلى يزيد ونقول فيه ولا نزيد بن معاوية وتسلطه بالظلم على سيدنا الحسين بن علي الهاشمي وأهل البيت الكرام رضي الله عنهم أجمعين ، ولاشك في غلبة الحق لبيت النبوة في كل جولات تلك الصراعات

أما الخط الثاني في خطوط الصراع فكانت الفارقة في نظام الحكم ، وذلك بانتهاء حكم الخلافة الراشدة و تأسيس الدولة الأموية ، والتي على الرغم من كل المساوئ المعروفة عنها في بداية تأسيسها إلا أنها كانت لها يد لا تنكر في وفرة الفتوحات والامتداد الحضاري والثقافي في ربوع الأرض ، ولا يستطيع أحد إنكارها في التاريخ الإسلامي .

وعند التمعن والتدبر في تقييم المرحلة الانتقالية للأحداث ، سنجد الإجابة التي تكرس الوفاق في فهم عناصر الشخصية دون ازدواج في معايير التقييم
فقد ولى سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه ولاة من بني أمية ومنهم سيدنا معاوية رضي الله عنه على تخوم الدولة الإسلامية وقد كان بني أمية أهل إمارة ، وهو ما كان يناسب أقوام الأرض المستخلصة بالفتوحات في الشام من يد ملوك الروم ، لذلك كانت ولاية معاوية من شاكلة ما ألفه الناس ، ويتناسب مع صنيعة الروم في نظام الحكم وتسيس العامة ، فلم يكن اختياره عن سابقة له في الإسلام فلم يكن من المهاجرين أو الأنصار وقد كان من الطلقاء في فتح مكة ، ولكن كان اختياره في ولاية الشام عن مؤهلات تناسب المهام المكلف بها في ظرف المكان والزمان ، أما الخلاف مع سيدنا علي رضي الله عنه فلا شك بأحقية سيدنا علي رضي الله عنه في كل خلاف وقع في زمن خلافته مع غيره وقد كانت فتنة كبرى وكان حكمه في الأمور أصدق وأحق أولا بحكم كونه خليفة مهدي راشد ثانيا بحكم أنه كان رضي الله عنه أقضى الصحابة بل والأمة أجمعين كما جاء بالهدى النبوي الشريف .

أما اللحظة التاريخية والتي لا نقول تنازل فيها خامس الخلفاء الراشدين سيدنا الحسن رضي الله عنه لسيدنا معاوية رضي الله عنه عن الخلافة ، ولكن نقول قول جده النبي صلى الله عليه وسلم بأن أصلح بين الفئتين من المسلمين ، وقد ادرك سيدنا الحسن رضي الله عنه أن الناس في زمنه لم يصبحوا على شاكلة من كان في زمن الخلفاء الراشدين مستحضرا قولا لأبيه سيدنا علي رضي الله حين سأله أحد الأشخاص قائلا له : لما يا أمير المؤمنين حدث في عهدك ما لم يحدث في عهد أبو بكر وعمر : فقال له رضي الله عنه : لأن أبو بكر وعمر ولوا على مثلي أما أنا فوليت على مثلك ، لذلك فكان من الكياسة والفراسة من سيدنا الحسن رضي الله عنه أن قرء المشهد الديني و السياسي وأدرك أنه من الأهمية حفظ الدين من التلوث السياسي وألاعيبه الزائفة حتى لا يزعم بالدين أمراء السياسة وهم منه في حل بأفعالهم واقوالهم ، فضلا عن تغير خريطة البيئة الاجتماعية للناس فلم يصبح الإسلام يخاطب أهل مكة والقبائل المجاورة لهم ببلاغة اللسان العربي وحدهم ، لذلك فأول من أسس الدولة الإسلامية بالمفهوم السياسي وليس بمسمى التوريث الأموي فكان سيدنا الحسن رضي الله عنه ووضع لها الميثاق والدستور بالشورى وهو الذي ولى به سيدنا معاوية الحكم .

هي كانت فتنة، ولكنها أيضا دروسا مستفادا منها الكثير ، إن صح النظر في كامل العبر ، للاسترشاد بما فيه صالح العباد والبلاد ، فقد كانوا القدوة الحسنة في تقلب الأحوال التي تظهر معادن الرجال ، لذلك علينا استخلاص المستفاد مصحوبا بحسن الظن والأدب فهم أكابر الخلق بعد الأنبياء والمرسلين .

تعليقات